النبوة شأنها عظيم؛ لأنها تخرج عن نطاق ما يمكن للعقل البشري أو العلم البشري أن يصل إليه، ومن هنا نجد التعظيم الجليل للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لدى كل البشر، لدى النفوس البشرية قاطبة, التعظيم لهم والتعظيم لعلومهم؛ لأن هذه العلوم خارجة عن أن تكون من نطاق ما يمكن للبشر أن يحصّلوه أو يكتسبوه أو يأتوا به.والله سبحانه وتعالى جعل للأنبياء الكرام -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- من الميزات في خَلْقهم وخُلُقهم وأفعالهم وأعمالهم وما يدعون إليه ما يبهر العقول! وما يجعل أكبر النفوس تنقاد صاغرة إلى القول واليقين بتصديقهم؛ حتى أعتى الفراعنة أو المتسلطين أو الطواغيت قال الله تبارك وتعالى فيهم: ((
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ))[النمل:14], حتى عند المناظرات، كما حدث في المناظرة بين الطاغية المتمرد المتجبر على الله تعالى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه؛ والتي ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وغير ذلك.المقصود: أن هذه الصفات العظيمة الجليلة لا تقتصر على ما لدى الأنبياء من العلوم ومن المعارف، ولا ما لديهم من الفضيلة والطهارة والخلق؛ بل تشمل جوانب كثيرة جداً؛ بحيث لا يشتبه على الإطلاق النبي الذي يرسله الله تبارك وتعالى ويوحي إليه بأي رجل آخر ممن يدعي أن لديه خارقة أو معجزة أو حكمة أو فلسفة أو أي نظرية من النظريات التي تظهر في القديم والحديث.جعل الله تبارك وتعالى هؤلاء البشر المختارين المصطفين أصدق الخلق وأبرّ الخلق وأرحم الخلق وأعدل الخلق، جعلهم تبارك وتعالى أبعد الخلق عن العمل لحظ النفس أو لأجل الجاه أو لأجل المطامع الدنيوية الحقيرة القليلة، جعلهم نموذجاً في البرِّ وفي الطهارة وفي التعامل الأفضل وفي حسن الخلق، في الحث على الإطعام، وعلى الإنفاق على المسكين والأرملة والفقير، والرحمة بكل من يحتاج إلى الرحمة من عباد الله تبارك وتعالى، حتى من الطير أو الحيوان أو الوحوش أو ما أشبه ذلك، فجعلهم نموذجاً فريداً. لو أن المتلمس أو المريد لأن يكون مثلهم حاول واجتهد لما استطاع أن يكتسب هذه الفضائل، إلا في جوانب منها ولا يبلغ مرتبة الأنبياء قط!